
كان قرار مجلس الأمن الخاص باليمن متوازناً الى حد السخرية، فهو استند الى المبادرة الخليجية، لكنه ذرع التنديد بالعنف على الحكومة والمعارضة سواء بسواء. ثم وهذا مثير جداً: اعطى حصانة للرئيس علي صالح ومعاونيه من أية اتهامات جرمية، في حين طالب بالتحقيق في التجاوز على حقوق الانسان!!
بعض الفضائيات «فتحت نفس» المعارضة اليمنية اذ اصرت بأن قرار مجلس الامن سيدين النظام، وكان مصرع طاغية ليبيا صورة قريبة من المشهد المطلوب تصوره، وهذا عجز في فهم ميكانيكيات القرارات الدولية، ووسائل القوى الكبرى في تناول القضايا الخاصة بالمتخلفين، فليس غير العرب يذهبون الى مجلس الأمن او الى واشنطن وباريس وموسكو لحل مشاكلهم الداخلية!!.
دول الخليج العربي قدمت ما عندها لليمنيين، ومجلس الأمن قدم ما عنده، لكن احداً لن يحل مشكل اليمن غير اليمنيين، وعلى المعارضة ان تفهم ان الملايين في الشارع هم قوى احتجاج وليسوا قوى حكم، لأنها تعرف انه في اللحظة التي يرحل فيها علي عبدالله صالح، سيبدأ العراك بين جماعة الوحدة وجماعة انفصال الجنوب، بين المثقفين والليبراليين وبين الحوثيين، بين الزيدية والشوافع، وستتورط السعودية وايران وستجد الدول الكبرى فرحة ابتزاز للاستقرار الخليجي!!
ثم ان على النظام اليمني ان يفهم ان قوة الجيش، وقوة حزب المؤتمر لا تعني شرعية الحكم، ولا تضمن امتلاء صناديق الانتخاب بشكل دائم. فتجمع المعارضة التي نعرف جميعاً ان كل طرف فيها متناقض مع الطرف الآخر، وبهذا الشكل الوثيق ضد الحكومة.. هو تجمع ناتج عن تعاسة السلوك الحكومي، وفهمه المتخلف لما يجري فعلاً.
ان وضع اليمن مختلف عن الوضع في ليبيا، او في مصر او تونس.. وقد يكون الأقرب الى الوضع في سوريا، والتغيير في البلدين سيكون دموياً جداً، فلا يمكن للأطلسي او للولايات المتحدة او لتركيا ان تتدخل، ولذلك فان الحرب الاهلية ستكون مهلكة. وستعيد البلد الى نقطة الصفر مرة اخرى، فاليمن الآن اقرب الى المجاعة، والبطالة العامة، والصحة والتعليم والخدمات تتدهور بسرعة، وقد سأل ذكي يوم امس وهو يشهد ملايين المعتصمين في الشوارع: ترى اين يقضي هؤلاء الناس حاجاتهم؟ هل هناك مراحيض تكفي هذه الحشود؟! ومن أين يأتي هؤلاء الناس بالقات الذي يمضعه الجندي على حافلته والهاتف بشعارات الطريق ونيعه منتفخ؟؟